الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف **
سنة حجة الوداع ثم سرية أسامة بن زيد إلى يبنى وأزدود من أرض فلسطين من بلاد الشأم. ثم سرية خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول إلى بني عبد المدان من بني الحارث بن كعب من ولد عريب بن زيد بن كهلان بنجران اليمن وفي هذا الشهر توفي إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان من مولده إلى وفاته سنة وعشرة أشهر وعشرة أيام وكسفت الشمس يومئذ. فقال قوم إنما كسفت لموته فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الكسوف. ثم قال " أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله " ثم سرية علي بن أبي طالب عليه السلام في شهر رمضان إلى اليمن وكتب معه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاباً يدعوهم إلى الإسلام فجمعوا له فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلّى واسم همدان أو سلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ثم تتابعت اليمن على الإسلام وقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفودهم فكتب لهم كتباً بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأرضهم ووجه عماله لتعرفيهم شرائع الإسلام وقبض صدقاتهم وجزية من أقام على دين النصرانية والمجوسية واليهودية منهم وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمال البحرين وكان حليفاً لبني أمية وهو أول مال حمل إلى المدينة ففرقه على الناس وقدمت وفود العرب عليه من كل وجه من معد واليم وكانت تتربص بإسلامها فلما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة ودانت له قريش انقادت له العرب إلى الإسلام وقد وفد بني حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من اليمامة فيمن قدم من الوفود وفيهم مسيلمة الكذاب بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحراث بن عدي بن حنيفة ويكنى أبا ثمامة وبنو حنيفة يسترونه بالثياب فلما رجعوا أظهر مسيلمة أمره بادعائه النبوة. وصار إليه في هذه السنة السيد العقاب وافداً أهل نجران يسألانه الصلح فصالحهما عن أهل ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجاً لخمس بقين من ذي القعدة وقد ساق معه الهدي ستين بدنة وقيل أكثر من ذلك وأقل فلما صار بالموضع المعروف بسرف أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدي ودخل مكة وقدم علي بن أبي طالب من نجران اليمن مهلاً بالحج فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " بأي شيء أهللت " قال قلت: حين أحرمت اللهم إني أهل بما أهل به عبدك ورسولك فقال له " هل معك من هدي " قال: لا فأشركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هديه وثبت على إحرامه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى فرغا من الحج. ونحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الهدي عنهما وحج بالناس وأراهم مناسكهم وعرفهم سننن حجهم وأعلمهم أن دماءهم وأموالهم عليهم حرام وأن كل دم موضوع فسميت حجة الوداع لأنه ودعهم ولم يحج بعدها وتسمى أيضاً حجة البلاغ لأنه حين ودعهم خطبهم فقال في خطبته " ألا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " وهذا القول بين ماضي الزمان ومستقبله مثبت لبطلان النسيء على ما قدمناه مفصلاً فيما سلف من كتابنا هذا. ثم قال " اللهم هل بلغت " فقالوا نعم فقال " اللهم اشهد " وأحج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه كلهن معه وابنته فاطمة وقيل إنه أفرد الحج وقيل أقرن وقيل إنه ذكر السنة الحادية عشرة من الهجرة سنة الوفاة فيها كان توجيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص إلى جيفر وعباداً بني الجلندي بن مسعود الأزديين صاحبي عمان بدعوهما إلى الإسلام فأسلما وفي هذه السنة قوي أمر الأسود العنسي الكذاب المتنبي باليمن وهو عبهلة بن كعب بن الحارث بن عمرو بن عبد الله بن سعد بن عنس بن مذحج وهو مالك بن أدد بن زيد بن يشجدب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان بدء أمره بالموضع المعروف بكهف خبان وكان يدعى ذا الحمار لحمار كان معه قد راضه وعلمه يقول له اسجد فيسجد ويقل له اجث فيجثو وغير ذلك من أمور كان يدعيها ومخاريق كان يأتي بها يجتذب بها قلوب متبعيه وقتل بإذان رئيس الأبناء الذي شخصوا مع وهرز إلى اليمن وكانوا أسلموا وتزوج امرأته فوثب عليه فيروز بن الديلمي من الأبناء وعاضده في ذلك داذويه وقيس بن مكشوح المرادي. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كاتبه فقتلوه فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بقتله وقيل إن رأسه حمل إلى المدينة وقد قبض رسول الله صلّىالله عليه وسلّم وتنوزع هل كان ثم وثب قيس بن مكشوح المرادي على داذويه فقتله متقرباً بذلك إلى قوم ذي الحمار من عنس وقال في ذلك. قد علم الأحياء من مذحج ما قتل الأسود إلا أنا طلبت ثأراً كان لي عنده بقتلة الأسود مستمكنا في كلمة له طويلة أولها: ألم يسلمى قبل أن تظعنا إن بنا من حبها ديدنا ثم ندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد في صفر إلى بلاد البلقاء وأذرعات ومؤتة من أرض دمشق من الشأم ثائراً بأبيه ولأسامة يومئذ ثماني عشرة سنة. وكان في بعثه عمر بن الخطاب والزبير وأبو عبيدة بن الجراح وتنوزع في أبي بكر أكان في هذا البعث أم لا فأقاموا يتجهزون إلى أن توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يقول في علته جهزوا جيش أسامة. قال المسعودي: وكانت غزوات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي غزاها بنفسه سبعاً وعشرين غزوة ومن الناس من يذهب إلى أنها ثمان وعشرون فالذي ذهبوا إلى أنها سبع وعشرون جعلوا منصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم من خيبر إلى وادي القرآ غزوة واحدة والذي رووا أنا ثمان وعشرون جعلوا غزاة خيبر مفردة ووادي القرى غزوة أخرى قاتل منها في تسع أولها بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف هذا قول محمد بن إسحاق في آخرين ووافق الواقدي ابن إسحاق في أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاتل في هذه التسع غزوات وذكر أنه قاتل في غزاة وادي القرى وفي يوم الغابة فقتاله في التسع اتفاق. وزاد الواقدي ما ذكرنا وإنما حكينا تنازع هذين لأنهما قدوة في حملة المغازي والسير وإليهما يرجع في ذلك. وكانت سراياه وسواربه وبعوثه على ما رتبنا في هذا الكتاب ثلاثاً وسبعين وتنازع مصنفوا الكتب في التواريخ والسير في ذلك فذهب قوم منهم إلى أن سراياه وسواربه ست وستون وقال آخرون نيف وخمسون. وقال محمد بن إسحاق في عدة من أصحاب السير والمغازي بل ذلك خمس وثلاثون. وقال محمد بن عمر الواقدي في آخرين من أصحاب المغازي والسير إنما كانت السرايا والسوارب ثمانياً وأربعين. قال المسعودي: وأرى أن السبب الذي أوجب هذا التنازع المتفاوت في إعداد هذه السرايا أن منهم من يعتد بسرايا لا يعتد بها آخرون وذلك أنه كانت سرايا في جملة مغاز فأفردها بعضهم واعتد بها وبعض جعلها في جملة تلك المغازي لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وجه في كثير من غزواته سرايا إلى ما يلي البلاد التي حلها بعد هزيمة المشركين بخيبر في الطب على ما قدمنا ووجه بعد فتح مكة سرايا لهدم الأصنام التي حول مكة فوقع التنازع لأجل ذلك فجمعنا في كتابنا هذا جميع ذلك ولم نأل جهداً في حصره وترتيبه ولم نخله من ذكر خلاف أصحاب السير في ذلك ليكون أعم لفائدته وأجزل لعائدته على أنا لم نجد أحداً حصل على تحصيلنا ولا رتبه ترتيبنا فمن أراد علم ذلك فليتفصح كتب من عني بهذا الشأن من الأسلاف والأخلاف يقف على حقيقة ما قلنا وفضيلة ما أتينا ففهم ذلك بعد الكفاية يسير ومطلبه قبل الكفاية عسير. وقد ذكرنا ذلك على الشرح والإيضاح وما فيه من التنازع في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار الذي كتابنا هذا تال له ومبني عليه وإنما حذفنا من كتابنا هذا الأسانيد ليخف تحمله ويقرب متناوله. قال المسعودي: وقد ذكرنا عدة من ذوي المعرفة بسياسة الحروب وتدبير العساكر والجيوش ومقاديرها وسماتها أن السرايا ما بين الثلاث نفر إلى الخمسمائة وهي التي تخرج بالليل فأما التي تخرج بالنهار فتسمى السوارب وذلك قوله عز وجل " وقد رأى قوم أن المقنب مثل المنسر وأن كل واحد منهم ما بين الثلاثين رجلاً إلى الأربعين واستشهدوا على تقاربهم بقول الشاعر: وإذا تواكلت المقانب لم يزل بالثغر منا منسر وعظيم وأن الكتيبة ما جمع فلم ينتشر وأن الحضيرة النفر الذين يغزى بهم العشرة فمن دونهم والنفيضة جماعة يغزى بهم وليسوا بجيش كثير وأن الأرعن الجيش الكبير الذي له مثل رعن الجبل والخميس الجيش العظيم والجرار الذي لا يسير إلا زحفاً لكثرته والجرار أكثر ما من الجيوش وتنوزع في أي يوم من شهر ربيع الأول كانت وفاته عليه الصلاة والسلام بعد إجماعهم على أن وفاته يوم الاثنين في شهر ربيع الأول فقال الأكثرون كانت وفاته لاثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر. وقال آخرون بل ذلك لليلتين خلتا منه وقال آخرون لتسع خلون منه وكان ذلك اليوم السادس عشر من شهر أسفندار ماه من شهور الفرس سنة 1380 لبخت نصر وهو اليوم الثالث من حزيران سنة 943 للإسكندر بن فيلبس الملك وسنة 100 من ملك كسرى أنوشروان بن قباذ وكانت شكاته أربعة عشر يوماً وقيل دون ذلك وكان الذي تولوا غسله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وابناه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتنوزع فيما كفين به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فروى جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين قال لما فرغ من غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وقيل سحوليين وبرد حبرة أدرج فيها إدراجاً. قال المسعودي: والثياب الصحارية مضافة إلى صحار وهي قصبة عمان والسحولية ثياب بيض من قطن تعمل بموضع من اليمن يعرف بسحولا. وإلى هذه الرواية يذهب أهل البيت وشيعتهم وذلك كفن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام غير أنه عمم بعمامة لأجل الضربة فصارت عندهم سنة مأثورة معمولاً بها. وليس تعد العمامة والمئزر من الكفن المفروض عندهم ثوب واحد إذا لم يوجد غيره وثلاثة وخمسة لمن وجد سعة وروى بعضهم ما زاد على خمسة فبدعة يشق أحد هذه الأثواب في وسطه ويقمص به من غير خياطة فيسمى القميص لذلك وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفن في ثلاثة أثواب كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة وعنا في رواية أخرى أنه صلّى الله عليه وسلّم كفن في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وحكي عن إبراهيم قال كفن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حلة يمانية وقميص ثم صلي عليه وقيل إنه دفن بعد وفاته بثلاثة أيام وكان الذين نزلوا قبره علي بن أبي طالب والفضل وقثم ابنا العباس وشقران ممن سمينا. كتاب من حضر من الكتاب وكان خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يكتب بين يديه في سائر ما يعرض من أموره والمغيرة بن شعبة الثقفي والحصين ابن نمير يكتبان أيضاً فيما يعرض من حوائجه وعبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهري والعلاء بن عقبة يكتبان بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات الزبير بن العوام وجهيم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات وحذيفة بن اليمان يكتب خرص الحجاز ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي دوس الن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن نصر بن الأزد وكان حليفاً لبني أسد يكتب مغانم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان عليها من قبله وزيد بن ثابت الأنصاري ثم الخزرجي من بني غنم بن مالك بن النجار يكتب إلى الملوك ويجيب بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان يترجم للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية تعلم ذلك بالمدنية من أهل هذا الألسن وكان حنظلة بن الربيع بن صيفي الأسيدي التميمي يكتب بين يديه صلّى الله عليه وسلّم في هذه الأمور إذا غاب من سمينا من سائر الكتاب ينوب عنهم في سائر ما ينفرد به كل واحد منهم وكان يدعى حنظلة الكاتب وكانت وفاته في خلافة عمر بن الخطاب بعد أن فتح الله على المسلمين البلاد وتفرقوا فيها فصار إلى الرها من بلاد ديار مضر فمات هناك فرئته امرأة من قومه فقالت يا عجب الدهر لمحزونة تبكي على ذي شيبة شاحب إن تسأليني الدهر ما شفني أخبرك قيلاً ليس بالكاذب وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح من بني عامر بن لؤي بن غالب ثم لحق بالمشركين بمكة مرتداً وكتب له شرحبيل به حسنة الطابخي من خندف حليف قريش ويقال بل هو كندي وكان أبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي ربما كتبا بين يديه وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر وإنما ذكرنا من أسماء كتابه صلّى الله عليه وسلّم من ثبت على كتابته واتصلت أيامه فيها وطالت مدته وصحت الرواية على ذلك من أمره دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتباً ويضاف إلى جملة كتابه
|